مراجعة كتاب Sapiens - الجزء الثاني

هذه تتمة للمقالة السابقة التي أتحدث بها عن هذا الكتاب، إذا لم تكن قد قرأتها فيمكنك قراءتها من هنا.


العنصريات … والعنصرية الجديدة … الأديان … والدين الجديد

في هذه النقاط، يسلط الكاتب الضوء على عدة قضايا مهمّة، فيكشف لك أنّ العنصريات التي نتبعها وننتمي إليها هي عنصريات زائفة، قوميّات عفى عليها الزمن، لم تعد أصيلة ولا يوجد للانتماء لها أي داعٍ أو معنىً…

In many cases, the destruction of one empire hardly meant independence for subject peoples. Instead, a new empire stepped into the vacuum created when the old one collapsed or retreated. Nowhere has this been more obvious than in the Middle East. The current political constellation in that region – a balance of power between many independent political entities with more or less stable borders – is almost without parallel any time in the last several millennia. The last time the Middle East experienced such a situation was in the eighth century BC – almost 3,000 years ago! From the rise of the Neo-Assyrian Empire in the eighth century BC until the collapse of the British and French empires in the mid-twentieth century AD, the Middle East passed from the hands of one empire into the hands of another, like a baton in a relay race. And by the time the British and French finally dropped the baton, the Aramaeans, the Ammonites, the Phoenicians, the Philistines, the Moabites, the Edomites and the other peoples conquered by the Assyrians had long disappeared. True, today’s Jews, Armenians and Georgians claim with some measure of justice that they are the offspring of ancient Middle Eastern peoples. Yet these are only exceptions that prove the rule, and even these claims are somewhat exaggerated. It goes without saying that the political, economic and social practices of modern Jews, for example, owe far more to the empires under which they lived during the past two millennia than to the traditions of the ancient kingdom of Judaea. If King David were to show up in an ultra-Orthodox synagogue in present-day Jerusalem, he would be utterly bewildered to find people dressed in east European clothes, speaking in a German dialect (Yiddish) and having endless arguments about the meaning of a Babylonian text (the Talmud). There were neither synagogues, volumes of Talmud, nor even Torah scrolls in ancient Judaea.
إنّ دمار إمبراطورية ما، وفي كثيرٍ من الحالات، لا يعني بالضرورة استقلال رعاياها، فغالبًا ما تظهر إمبراطورية أخرى لتحلّ محلّ تلك التي سقطت أو تراجعت قبلها. ولا يوجد مكان في هذا العالم يتجلى ذلك فيه أكثر من منطقة الشرق الأوسط. هذه الحالة التي تعيشها تلك المنطقة الآن - عدة دول مستقلة بحدود مستقرة بشكل أو بآخر - فريدة جداً من نوعها بالنسبة للمنطقة وليس لها نظير في الآلاف من السنين التي سبقت هذه الفترة التي نعيشها. فآخر مرة شهدت هذه المنطقة حالةً كهذه كانت في القرن الثامن قبل الميلاد - منذ حوالي ثلاثة آلاف عام! فقد انتقلت هذه المنطقة من حكم إمبراطورية لحكم أخرى بشكل مستمر وكأن الإمبراطوريات تناقلوها في سباقٍ للتتابع، بدايةً بظهور الامبراطورية الآشورية في القرن الثامن قبل الميلاد وحتى سقوط الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. عندما قامت الإمبراطورية الآشورية، قامت على أنقاض الشعوب المهزومة قبلها من الآراميين، العمونيين، الفينيقيين، الفلستيين، المؤابيين، الإدوميين، وغيرهم الكثير من قبل، وعندما سقطت أخيراً الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية، كانت كل تلك الشعوب السابقة قد اندثرت وذهبت طي النسيان. ومع أن اليهود والآراميين والجورجيين يزعمون - مصحوبين بأدلة بعض الأحيان - أنّهم من سلالة سكان الشرق الأوسط القدماء، إلا أن هذه المزاعم ليست إلا الاستثناء الذي يثبت القاعدة، وحتى أن هذه المزاعم في كثيرٍ من الأحيان تكون مبالغ فيها جداً. فالممارسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لليهود الآن مثلاً يعود أصل الكثير منها إلى الإمبراطوريات العديدة التي عاشوا تحت حكمها في الألفي سنة الماضيين، أكثر بكثير مما بقي من ممارسات مملكة يهودا القديمة. فلو جاء الملك دافيد [ويقصد هنا النبي داوود عليه السلام] ودخل إلى أحد الكنيسات اليهودية الأرثوذوكسية [لليهود المتمسكين بدينهم بشكل كبير] في القدس اليوم، فسيكون مندهشًا جدًا من ارتداء الناس للزيّ الأوروبي، ومن حديثهم بلهجة ألمانية (اللغة اليديشية)، ومن نقاشاتهم عن التفاسير المختلفة للنصوص البابلية (التلمود)، فلم يكن في عصر الملك داوود أي كنيس أو تلمود أو حتى توراة في مملكة يهودا!

فالنقطة الموضحّة هنا أنّ ما يظهر لنا وللناظر الخارجي من ارتباط الناس بثقافات وحضارات قديمة أصيلة هو ارتباط مشوّه، وهؤلاء الناس إمّا أنّهم لا يدرون أنّ هذا الارتباط مشوّه وغير صحيح، أو أنّهم آثروا الإبقاء عليه عن أن يتركوه كليًّا. والسبب أنّ البشر بطبعهم يحبّون أن يكون لهم انتماء، لأنّهم في الأصل كانوا يعيشون ضمن مجموعات صغيرة، وحينما أصبحوا يعيشون ضمن مجموعات سكانية هائلة لم يقدروا على ترك حاجتهم للانتماء خلفهم، وبذلك شكّلوا عنصريّات مصطنعة غير حقيقيّة كانت في كثيرٍ من الأحيان سببًأ رئيسيًّا للحروب.

The Middle East provides ample examples. The Syrian, Lebanese, Jordanian and Iraqi nations are the product of haphazard borders drawn in the sand by French and British diplomats who ignored local history, geography and economy. These diplomats determined in 1918 that the people of Kurdistan, Baghdad and Basra would henceforth be ‘Iraqis’. It was primarily the French who decided who would be Syrian and who Lebanese. Saddam Hussein and Hafez el-Asad tried their best to promote and reinforce their Anglo-French-manufactured national consciousnesses, but their bombastic speeches about the allegedly eternal Iraqi and Syrian nations had a hollow ring. It goes without saying that nations cannot be created from thin air. Those who worked hard to construct Iraq or Syria made use of real historical, geographical and cultural raw materials – some of which are centuries and millennia old. Saddam Hussein co-opted the heritage of the Abbasid caliphate and the Babylonian Empire, even calling one of his crack armoured units the Hammurabi Division. Yet that does not turn the Iraqi nation into an ancient entity. If I bake a cake from flour, oil and sugar, all of which have been sitting in my pantry for the past two months, it does not mean that the cake itself is two months old.
ولنا في الشرق الأوسط المثال الأوضح. فالشعب السوري، واللبناني، والأردني، والعراقي، شعوب نشأت نتيجةً لحدودٍ اعتباطية رسمها الدبلوماسيّون الفرنسيّون والبريطانيّون وخطّوها في الرمال دونما أدنى مراعاة لتاريخ المناطق التي تمرّ فيها هذه الحدود أو جغرافيتها أو اقتصادها. فقرّروا بذلك مثلاً في عام ١٩١٨ أن تكون الشعوب الكردية والبغدادية والبصرية شعباً واحداً يسمّى الشعب العراقي. وتفرّد الفرنسيّون بتقرير مصير من سيكون سوريّاً ومن سيكون لبنانيّاً. ومن بعد ذلك عمل قادة تلك المناطق كحافظ الأسد وصدام حسين على تعزيز تلك الأفكار التي ليست نتاج هذه المنطقة بالأصل وإنما نتاج محادثات دبلوماسيّة بين الفرنسيّين والإنجليز، ولم يتنبهوا إلى أنّ خطاباتهم الرنّانة التي تغنّت بقدم وعراقة الشعب العراقي والشعب السوري كانت فيها مشكلة كبيرة وتعتمد في بنائها على شيء مختلق. فلا يمكن للشعوب أن تنشأ من لا شيء فجأة، فلقد عملت شعوب هذه المناطق بجدٍّ على بناء دولهم بالاعتماد على تاريخ طويل حقيقي وثقافات وأراضٍ من الحضارات السابقة، بعض هذه الأفكار والثقافات تمتدّ آلاف السنين عبر العصور. فقد دمج صدام حسين ميراث الخلافة العباسيّة مع ميراث الإمبراطورية البابلية في عراقه، حتّى أنّه أطلق اسم حمورابي على إحدى قواته المدرعة. ومع ذلك فهذا لا يعني أنّ الشعب العراقي هو شعب قديم بقدم حمورابي. فلو خبزت كعكةً من طحين وزيت وسكر كانوا يقبعون في خزانة مطبخي خلال الشهرين الماضيين، فهذا لا يعني أنّ عمر هذه الكعكة هو شهرين.

ففي واقع الأمر إذن لا يمكن القول أنني وكشخص سوري فثقافتي وإرثي الثقافي هو حصيلة الشعب السوري العظيم والعريق، وإنما هو تجميع ودمج وتعديل على ثقافات الشعوب التي عاشت في هذه المنطقة التي تسمّى الآن سوريا، ولكن الأفكار والثقافات هذه لم تكن محدودة بالحدود التي رسمها الفرنسيّون والبريطانيّون، فلا يمكنني أن أقول أن السوري يختلف عن العراقي ويختلف عن اللبناني، وأن ثقافاتهم مختلفة، بل في الحقيقة فأنا كسوري من دمشق قد أختلف اختلافاً كبيراً مع سوري آخر من دمشق أيضاً بسبب اختلاف الموروث الثقافي والأخلاقي المتبع بين العائلتين الذي في بعض الحالات قد يمتد مئات السنين عبر العصور السابقة.

هذا الاختلاف والاعتراف به ليس شيئًا سيئًا، ولكن المجتمعات أصبحت تخشى الاختلاف وتخشى الإشارة إليه، وأصبحنا نرمز إليه على أنّه عنصريّة.

People continue to conduct a heroic struggle against racism without noticing that the battlefront has shifted, and that the place of racism in imperial ideology has now been replaced by ‘culturism’. There is no such word, but it’s about time we coined it. Among today’s elites, assertions about the contrasting merits of diverse human groups are almost always couched in terms of historical differences between cultures rather than biological differences between races. We no longer say, ‘It’s in their blood.’ We say, ‘It’s in their culture.’ Thus European right-wing parties which oppose Muslim immigration usually take care to avoid racial terminology. Marine Le Pen’s speechwriters would have been shown the door on the spot had they suggested that the leader of the Front national go on television to declare that ‘We don’t want those inferior Semites to dilute our Aryan blood and spoil our Aryan civilisation.’ Instead, the French Front national, the Dutch Party for Freedom, the Alliance for the Future of Austria and their like tend to argue that Western culture, as it has evolved in Europe, is characterised by democratic values, tolerance and gender equality, whereas Muslim culture, which evolved in the Middle East, is characterised by hierarchical politics, fanaticism and misogyny. Since the two cultures are so different, and since many Muslim immigrants are unwilling (and perhaps unable) to adopt Western values, they should not be allowed to enter, lest they foment internal conflicts and corrode European democracy and liberalism.
تحاول الشعوب وبجهودٍ بطوليّة أن تبتعد عن العنصرية دون أن يلاحظوا أنّ العنصريّة ما زالت موجودة ولكنّ على جبهات أخرى، وأنّ العنصريّة التي أتتنا من العصور القديمة أستبدلت الآن بعنصريّة الثقافات. هذه المفردة الجديدة قد لا تكون موجودة ضمن قواميس البشريّة، إلا أنّه حان الوقت لكي ندرجها ضمن قواميسنا. فما عادت النخبة تقول حينما توجه حديثها عن العنصريّات الأخرى واختلافاتهم عنهم أنّ هذا الشيء موجود “في دمهم” وإنما أصبحوا يقولون “في ثقافتهم”. وبهذه الطريقة أصبحت الأحزاب اليمينيّة المتطرفة في أوروبا والتي تعارض هجرة المسلمين إلى بلادهم تتوخى الحذر وتبتعد عن أيّ كلمات تتعلق بأعراق الناس. فلو تجرأ كتّاب خطابات مارين لوبان (مرشحة الرئاسة الفرنسية) على اقتراح أن تظهر مارين على التلفاز وتقول ‘نحن لا نريد أولئك الساميّين الدنيئين من أن يلوثوا دماء الآريين وحضارتهم‘ بشكل صريح لطُردوا من فورهم. ولكن بدلاً عن ذلك، فالجبهة الوطنية الفرنسية والحزب الهولندي للحرية، والاتحاد لمستقبل النمسا وغيرهم ينقلون الصراع إلى ساحة الثقافة عوضاً عن العرق، فيقولون أن الثقافة الأوربية بحالتها المتطورة الآن تملك قيماً ديمقراطية عالية، وتسامحًا كبيراً ومساواةً بين الأجناس، وهي بذلك تختلف كثيرًا عن ثقافة المسلمين التي تطورّت في الشرق الأوسط، وتتسم بسياسات هرمية، والتعصب واضطهاد المرأة. وبما أنّ هاتان الثقافتان مختلفتان جداً، وبما أنّ الكثير من المهاجرين المسلمين ليسوا مستعدّين ولربما حتى ليسوا قادرين على تقبّل القيم الغربيّة، فلا يجب عليهم أن يدخلوا إلى هذه البلاد، حتى لا يثيروا الانشقاقات الداخلية أو يهددوا ويدمروا الديمقراطية والليبرالية الأوروبية.

للأسف هذا حالنا اليوم، فنحن نتقبّل أن ينعتنا شخص ما بأنّ ثقافتنا لا تناسب ثقافته، علمًا أنّه في حقيقة الأمر لي يتحدث عن ثقافتنا فحسب وإنما عن عرقنا، لأنّ الثقافة التي نحملها هي نتاج للأعراق التي تطورت وقطنت المناطق التي ولدنا فيها، وهي جزء من هويتنا، فالعراقي المسلم يحمل في طيّات تفكيره أفكارًا كثيرة، منها ما جاء عن طريق البابليين، ومنها ما جاء عن طريق الفرس، وما جاء عن طريق العرب، ومنها ما جاء عن طريق الإسلام، وغيرها، فرفضي لتقبّل ثقافة هذا الشخص العراقي هو رفضي لاختلاطه واختلاط عرقه وثقافته بعرقي وثقافتي، وهو شيء لا يقلّ عنصريّة عن رفضي للاختلاط معه بحسب جواز سفره أو لون بشرته، ولكنّنا نعيش في زمنٍ تحولت به ساحة الصراعات العنصريّة إلى الثقافة، وأصبح العرق السامي هو العرق ذي الثقافة الأقوى.

فنجد بعدها أنّ البشرية تتحارب فيما بينها لتنتصر لأفكار وعقائد وثقافات تحملها عبر العصور، ولكن بنظرة أقرب للواقع ستجد أن الناس لا يحملون ثقافاتهم دائمًا بمحمل الجد ولا يولوها اهتمامًا دقيقًا إلا ثقافةً واحدة، وهي ما يعتبره الناس الدين الجديد الذي سلب عقول البشر وانتشر انتشارًا واسعًا عبر الآفاق، وكلنا مستعدّون للدفاع عنه حتّى لو كنا ظاهريًّا ضده…

The history of ethics is a sad tale of wonderful ideals that nobody can live up to. Most Christians did not imitate Christ, most Buddhists failed to follow Buddha, and most Confucians would have caused Confucius a temper tantrum. In contrast, most people today successfully live up to the capitalist–consumerist ideal. The new ethic promises paradise on condition that the rich remain greedy and spend their time making more money, and that the masses give free rein to their cravings and passions – and buy more and more. This is the first religion in history whose followers actually do what they are asked to do. How, though, do we know that we’ll really get paradise in return? We’ve seen it on television.
إن تاريخ الأخلاق والمبادئ هو قصة حزينة عن مجموعة من المبادئ الأساسية والقيم العظيمة التي لا يتبعها أحد بشكل دقيق. فأغلب المسيحيين لا يتبعون المسيح بشكل كامل، وأغلب البوذيين لا يتبعون مبادئ وتعاليم بوذا حرفيًا، والكونفوشيوسيون كذلك ليسوا صورةً عن كونفوشيوس فلو رآهم الآن لأصيب بغضبٍ شديد. ولكن وعلى الطرف المقابل، فإن غالبية الناس تطبق وبشكل دقيق مبادئ الرأسمالية والاستهلاكية، فهذا الدين الجديد يعد الجميع بالثراء فيما لو وجهوا وقتهم وطاقاتهم تجاه الحصول على المزيد من المال، ليصبح الغني أغنى، وتطلق الجموع شهواتها وتفتح لها الباب على مصراعيه ويشتروا المزيد والمزيد. هذا هو الدين الأول في تاريخ البشرية الذي يتبعه الجميع بحذافيره ويقومون بجميع تعاليمه كما يطلب منهم. وأما عن كيفية معرفتنا أننا وصلنا للنعيم النهائي فيمكننا مشاهدة ذلك على شاشات التلفزة.

قد تختلف مع الكاتب وتصيح هنا “لا” بكل ما تملك من قوة، وتنتفض لتقول أنّك تطبق تعاليم دينك ومعتقداتك أيًا كانت بحذافيرها، إلّا أنك تعلم بداخلك أنّ النبيّ الذي بدأ الدين الذي تتبعه، أو المفكّر الذي بدأ العقليّة التي تتبعها، لو رأوك لرفضوا تسميتك باسمهم رفضًا تامًا. وفي المقابل فإنك في داخلك تبحث عن طريقة تجني بها المزيد من المال، ربما لتحصل على منزلٍ أكبر، سيارةٍ أفخم، ربما لتصل للشهرة، لتصبح رئيسًا، لأي سبب آخر، كل هذه الأسباب والعلاقات تتبع مبادئ الرأسمالية والاستهلاكية بحذافيرها، وأنت لن ترضى أن تتخلّى مثلاً عن منزلك كما هو لشخص آخر دون أن يعطيك مبلغًا من المال لقاءه، ولربما دون أن تربح فيه أكثر من قيمته. كلنا هكذا للأسف، كلنا من أتباع هذا الدين الجديد.

ولكن يا ترى، هل يمكننا النظر إلى هذه الفكرة بطريقة أخرى؟ هل يمكن أن يكون الانتماء لعقيدة أو دين أو بلد له وجه آخر؟

A cultural idea – such as belief in Christian heaven above the clouds or Communist paradise here on earth – can compel a human to dedicate his or her life to spreading that idea, even at the price of death. The human dies, but the idea spreads. According to this approach, cultures are not conspiracies concocted by some people in order to take advantage of others (as Marxists tend to think). Rather, cultures are mental parasites that emerge accidentally, and thereafter take advantage of all people infected by them. This approach is sometimes called memetics. It assumes that, just as organic evolution is based on the replication of organic information units called ‘genes’, so cultural evolution is based on the replication of cultural information units called ‘memes’. Successful cultures are those that excel in reproducing their memes, irrespective of the costs and benefits to their human hosts.
يمكن لأيّ فكرة ثقافية أن تجعل الإنسان يسخّر حياته كاملةً لنشرها - سواءً كانت إيمانًا بجنّة للمتديّنين في السماوات، أو جنّة للشيوعيّين في الأرض، أو غيرها من الأفكار الأخرى -. سيموت الإنسان في النهاية، ولكن الفكرة ستنتشر وستبقى بعد موته. وبهذه الطريقة يمكن أن نرى أن الثقافات ليست مؤامرات حيكت من قبل بعض البشر ليستغلوا بعض البشر الآخرين، وإنما يمكننا رؤيتها على أنها طفيليات برزت من غير قصد، ومن ثم استغلت جميع البشر الذين تأثروا بها. يدعى هذا المنهج بالتطور الثقافي، فكما في الطبيعة يوجد تطور مبني على تكاثر الخلايا وتكرار المورثات في المادة الحية، ففي الثقافات يوجد أيضًا تطور مبني على تكاثر الأفكار وتكرار وحدات بناء الأفكار الأساسية أو ما يدعى بـ Memes. وحينها يمكننا القول أنّ الثقافات الناجحة هي تلك التي تفوّقت في تكاثرها وتتطورها واستغلّت الإنسان لتصل إلى ما وصلت عليه من نجاح وانتشار.

هي وجهة نظر غريبة بعض الشيء، ولكنّها تجرّد الأفكار من الأشخاص وتجعلنا نرى بوضوح أثر انتشارها وتطورها على المجتمع. قد لا تكون هذه الفكرة أو وجهة النظر صحيحة، ولكننا وفي كثيرٍ من الأحيان نستفيد من وجهات النظر المختلفة في رؤية الأشياء بأكثر من طريقة وبالتالي يكون لدينا قابلية ومرونة أكبر في التعامل معها. فإذا نظرنا إلى الرأسمالية والاستهلاكية وكيف سيطرت على عقول البشرية، لوجدناها كالفيروس الذي ينتشر ويتطور ويتفادى الأدوية وطرق إيقافه، ويسعى للوصول لأكبر عدد ممكن من المصابين، حتى يكون هو الفيروس الأسمى، فالرأسمالية والاستهلاكية الآن هي العرق والدين الأسمى بأغلبية البشر المصابين بها والمتأثرين بآثارها والحاملين لمبادئها.


بهذا تنتهي مراجعتي لهذا الكتاب، والخلاصة أنّه كتاب جميل جداً، وإذا قرأناه بتمعن وبدون تعصب لأفكار مسبقة سنجد أنّه مليء بالأفكار المختلفة والشيقة والمثيرة للاهتمام، قد لا يكون صحيحاً بنسبة ١٠٠٪ ولكنه يحمل أوجهًا صحيحة كثيرة. ويبقى الموضوع في النهاية وجهة نظر.

هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات...
  1. مراجعة كتاب Sapiens - الجزء الأول
  2. مراجعة كتاب Sapiens - الجزء الثاني

عبد الله دياب

أبحث عن اليقين في كل تفاصيل الحياة

أمستردام، هولندا

التعليقات باستخدام Disqus