في أحيانٍ كثيرةٍ نحصر الكثير من الخصائص والصفات بالبشر والبشرية، كالوعي والتفكير والذكاء والعاطفة والذاكرة وغيرها، وفي الكثير من تلك الأحيان نكون مخطئين.

قرأت منذ يومين في أحد الكتب عن فطرياتٍ (عفن) أحاديّة الخليّة، تتغذى على الجراثيم، تدعى هذه الفطريات بـ ديكتيوستيليد (Dictyostelid)، تعيش أفراد هذه الفطريات بشكل مستقل، كل خلية مستقلة بذاتها تبحث عن طعامها وتنقسم وتتكاثر، إلا أنّ هذه الفطريات تملك جانبًا اجتماعيًا مميزًا في حياتها مع أنها من وحيدات الخليّة. ¹

يتجلّى ذلك الجانب الاجتماعي حينما يصبح الغذاء نادرًا، وحينها تطلق الخلايا المستقلة مادةً كيميائية، تنتقل ضمن الوسط الذي تعيش ضمنه هذه الخلايا، وهو عادةً ما يكون وسط مائي رطب، هذه المادة تحمل رسالة من الخليّة المطلقة للمادة إلى الخلايا الأخرى من نفس النوع، تنبههم أنّ الحصول على الغذاء أصبح أمراً صعبًا، هذه المادة هي أدينوسين أحادي الفوسفات الحلقي ² أو (cAMP) ³، تلتقط الخلايا هذه المادة من خلال غشاء الخلية، وتتنبّه لندرة الغذاء، وتكون ردة الفعل بأن تحاول الخليّة الفطريّة أن تبحث عن الخليّة التي أطلقت هذه المادة. غالبًا تكون هناك أكثر من خلية تطلق التنبيه في نفس الوقت، ولكنّ الخلايا الفطرية هذه تملك القدرة على قراءة التنبيهات المتعددة ومعرفة مصدرها والاقتراب من بعضها البعض.

تقترب الخلايا الفطريّة لتشكل تكتلاً من الخلايا، له قسم خارجي وقسم داخلي، يتحفز بالضوء والحرارة، وقادر على الانتقال من مكان إلى آخر، وإذا كانت الظروف موائمة، تقوم هذه الخلايا بتشكيل جسيم بوغي يستند إلى استطالة مرتبطة بالتكتل، هذا الجسيم البوغي يحمل الأبواغ القادرة على إنتاج خلايا فطرية جديدة، ويكون الجسيم محميًا من الخارج بالخلايا الجائعة التي تتوقف عن النشاط لتحافظ على حياتها.

في حال عاد الغذاء وفيرًا تعود الخلايا إلى نشاطها السابق وتعود منفردة بذاتها، وإذا كانت قد شكلت جسيمًا بوغيًا فإنه يعطي خلايا جديدة.

هذا باختصار الجانب الاجتماعي لفطرياتٍ مجهريّةٍ أحادية الخلية، فهي تقترب من بعضها البعض عند الحاجة لتشكل درعًا يحمي أفرادها وتشكل جسيمًا بوغيًا يعطيها الفرصة للتكاثر والعيش من جديد في ظروف أفضل ويضمن استمرار النسل.