الحرب طبقتان — رسالة إلى إسحق

أردت استخدام أخد تطبيقات الكتابة منذ مدة، ووجدت أن التطبيق لا يدعم اللغة العربية، فهو لا ينسق النص من اليمين إلى الشمال ولا يقوم بمحاذاته إلى اليمين. وبما أن التطبيق مفتوح المصدر قررت أن أعدله ليدعم اللغة العربية. بعدها نشرت النسخة المعدلة على صفحتي الخاصة وقمت بالإشارة إليها في صفحة التطبيق الرئيسية، حيث أن هناك نقاش على صفحة التطبيق حول عدم دعمه للغات المكتوبة من اليمين إلى الشمال. تلقيت بعدها رسالةً من أحد الأشخاص يطلب مساعدتي في تشغيل نسختي المعدلة على جهازه، فلفتني اسمه (Yitzhak) وهو يعني (إسحق) بالعبرية (יִצְחָק‎)، حيث سُمي نبي الله إسحق بهذا الاسم عندما ضحكت والدته زوجة سيدنا ابراهيم عليه السلام، فأصل الكلمة (يضحك). ﵟوَٱمْرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٌۭ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَـٰهَا بِإِسْحَـٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَـٰقَ يَعْقُوبَ ﱆﵞ [هود] فبطبيعة الحال قررت أن أبحث عن هذا الشخص، لأنني مع حبي لمساعدة الناس إلا أنني لا أحب أن أساعد عدوًا لي. وجدت صفحته على فيسبوك فوجدته يقطن مغتصبة كريات جات المبنية على أنقاض مدينة عراق المنشية، التي هُجّر أهلها عام ١٩٤٩ على أيدي الصهاينة، وفي صفحته عرّف نفسه بأنه:

صهيوني، مستوطن (غاصب للأرض)، مهندس برمجيات، معلم لغة إنكليزية، وصاحب نظرةٍ مستقبليةٍ

صهيوني، مستوطن (غاصب للأرض)، مهندس برمجيات، معلم لغة إنكليزية، وصاحب نظرةٍ مستقبليةٍ

قلبت في صفحته ولفتت نظري مقالةٌ شاركها على الصفحة وكتب في مشاركته:

את זה אנחנו אומרים כבר דורות אבל מנסים להתכחש: אנחנו במלחמה דתית אחת ארוכה ולא נוכל לנצח עד שנקלוט אבל סוף סוף האסימון נופל

We’ll continue to win battles but lose the war unless we come to grips at long last with the reality staring us in the face: We’re in one long religious war

وترجمة ما كتب بالعبرية

هذا ما نقوله منذ أجيال ولكننا نحاول أن نتجاهله: نحن في حرب دينية طويلة واحدة ولن نتمكن من الانتصار حتى ندرك ذلك، ولكن أخيرًا، بدأت الفكرة تتضح.

أما ما كتب بالإنكليزية

سنستمر في الفوز في المعارك ولكننا سنخسر الحرب ما لم نفهم الحقيقة الأزلية الواضحة أمامنا: نحن في حربٍ دينيةٍ طويلةٍ واحدةٍ.

المقالة1 من كتابة لواءٍ في جيش الاحتياط الإسرائيلي اسمه (غرشون هاكوهين — גרשון הכהן) منشورةٌ في موقع (إسرائيل اليوم — ישראל היום) يتحدث فيها عن أسباب عدم قدرة الاحتلال على القضاء على حركة حماس، وعن الطريقة الأفضل برأيه للقضاء على الحركة.

روح السنوار ترعبهم

في المقال نجد أن الكاتب يذكّر بأنه وبعد عامين من الحرب ما زالت إسرائيل غير قادرة على حسم الحرب والقضاء على المقاومة في غزة، والتفسير الرسمي للساسة أن ليس لدى المقاومة وحماس ما تخسره لذلك هم يرفضون الاستسلام، وبرأي الكاتب أنّ هذا التفسير سطحي جدًا، وأن التفسير الأصح هو أن غزة وأهلها يشكلان نقطة محورية للصراعات الإقليمية بأكملها. فعلى الرغم من أن إسرائيل اغتالت الشهيد السنوار، إلا أن “روحه ما زالت تعصف بأشرعة الجهاد في شتى الساحات” بحد تعبير الكاتب. وأشار الكاتب لخطاب عبد الملك الحوثي في يوليو الذي شبه فيه غزة بكربلاء عصرنا الحديث، وأشار أيضًا إلى تأثر الجماعات الشيعية الأخرى في المنطقة بهذا الإلهام، قاصدًا حزب الله اللبناني والحشد في العراق والنظام الإيراني. وبالتالي فإن فكرة المقاومة وروح الجهادي المقاوم التي تلهم الآخرين على الاستمرار ستبقى ترعبهم حتى بعد اغتيالهم لهذا المجاهد ولكل مجاهد.

العقيدة سلاحنا الأقوى

ثم يقتبس الكاتب من كلام نعيم قاسمي زعيم حزب الله اللبناني وكلام خامنئي عن روح المجاهد ونظرة الإسلام لقتال العدو، فالمجاهد رابحٌ بجميع الأحوال، لأنه إما أن ينتصر على عدوه وينصر قضيته، أو يستشهد ويُجزى الجنة. فعقيدة المقاتل المسلم سلاحه الأعتى، وحتى لو تفوق الجيش الإسرائيلي ماديًا على المقاومة، فعلى الصعيد الروحي والنفسي فالمقاومة أقوى حتى مع كل الدمار الحاصل لغزة وأهلها. فبينما يرى العالم غزة تُباد وتُدمّر فوق أبنائها، يرى المجاهد هذا اختباراً للصبر حتى الخلاص، وهذا ما أشار إليه القرآن ﵟ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌۭ ﳕﵞ [البقرة]

وبرأي الكاتب، فالمقاومة، وعلى عكس الحركات الإرهابية، لا تتجه نحو تدمير نفسها بنفسها مع استمرارها، على العكس، المقاومة تستمر لأنها تستمد قوتها من قوة العقيدة والصبر أمام الابتلاء والمصائب، لا من الصعيد المادي للأحداث. فبينما تتعثر المقاومة في حربها مع إسرائيل كجماعة، إلا أن المقاومة على صعيد الافراد تنتصر دئمًا على عدوها. ونصيحة الكاتب للقضاء على المقاومة هي ألا تركّز إسرائيل على التفوق المادي فقط، بل يجب عليها تدمير عقيدة الإسلام والمسلمين للانتصار عليهم، وإلا فلن يكون النصر حليفهم أبدًا. ويدعو الكاتب قادة إسرائيل إلى التفكير بشكلٍ ملح وضروري في تدمير روح المقاومة وعدم تركها هذه المرة. فالحرب طبقان: مادية وروحية، وإسرائيل خاسرةٌ إذا ركّزت فقط على الطبقة الماديّة.

واجبنا أن نتعمق ليس فقط في انهيار أنظمتهم المادية، وهو ما يتفوق فيه جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكن أيضًا في الهجوم المتعمد على الأساس الروحي للعدو.

رسالة إلى إسحق

إسحق، أنت ستقرأ هذه المقالة لأنني سأرسلها لك بدلًا من أن أدلك على طريقة تشغيل البرنامج على جهازك.

فلتعلم يا إسحق أنني أوافقك الرأي تمامًا وأوافق اللواء غرشون رأيه في أن المقاومة وفكر المقاومة والجهاد في الإسلام أقوى من أي سلاح تملكه إسرائيل، وأنا متأكد مثلكما أنه لا نصر لكما ما زالت هذه الروح تسري في عروقنا، روح الجهاد والصبر على الابتلاء والمقاومة، فمنذ فجر الإسلام ونحن نستعد لحربنا هذه معكم، وأنت بالتأكيد تؤمن بهذه الحرب كما نؤمن بها نحن، ولكن على عكس قيادتك يا إسحق وعلى عكس أحزابكم اليمينة المتطرفة وعلى عكس الصهيونية التي تنحدر منها، غايتنا في حربنا معكم أن نموت، والله كلنا نتمنى الموت يا إسحق، فنحن أحفاد خالد بن الوليد الذي قال لكسرى “جئتكم بقومٍ يحبون الموت كما تحبون الحياة”. ولا يغررك يا إسحق أننا شعوبٌ مطحونون بجبابرة سلطهم الله على رقابنا، فوالله إني لأعلم كما تعلم بنو إسرائيل أن هذه الأمة لن تموت وستحاربكم وستنتصر عليكم بإذن الله، ولتهنؤوا بانتصاراتكم المادية يا إسحق، فالدنيا لا تساوي عندنا جناح بعوضة، وكلنا مستعدون لأن نفدي فلسطين والقدس بأرواحنا ودمائنا ألف مرة.

إسحق، أنت لن تشعر يومًا بالأمان، مع كل هذه الأسلحة من حولك ومع دعم الغرب وأمريكا لكم، لن تشعروا بالأمان وسيظلّ صوت الرصاصة يدوي في آذانكم كل لحظة حتى وأنتم نيام، وعلى الطرف الآخر من السور سينام طفل فلسطيني يمسك الحصى بيديه جائعًا يتيمًا عاريًا، سينام بأمان لأنه يعرف أن هذه أرضه وأن ربّه وعده الجنّة، وأنه ليس كما يصوره إعلامكم ليس لديه ما يخسره، بل أفضل من ذلك، لديه ما يصبوا إليه، أن يموت ويتركك خائفًا يا إسحق.

نم يا إسحق، فوالله سترانا في كوابيسك كل ليلة، ولن تهنأ بعيشةٍ ما دمنا أحياء وما دامت الله أكبر تصدح في كل يوم خمس مراتٍ رغم أنفك وأنف قادتك وعشيرتك وصهاينتك.

إنه لجهادٌ، نصرٌ أو استشهادٌ.


  1. “הבטן הרכה” של חמאס - שישראל צריכה לכוון אליה — “النقطة الضعيفة” لحماس - التي يجب على إسرائيل أن تستهدفها ↩︎

عبد الله دياب

أبحث عن اليقين في كل تفاصيل الحياة

دبي، الإمارات العربية المتحدة

التعليقات باستخدام Disqus